أخبار وطنية أحداث الذهيبة تحت المجهر: إجحاف في العنف، أم ضرب لمنابع التهريب والإرهاب؟
شهدت منطقة الذهيبة من ولاية تطاوين منذ أيام تظاهر عدد من الأهالي احتجاجا على تضييق الحركة التجارية بمعبر الذهيبة وازن وكذلك بسبب الإتاوات المفروضة على التجار المقدرة بــ30 دينارا. لتتجدد هذه المواجهات يوم الأحد الفارط بأكثر ضراوة، حيث عمد محتجون إلى حرق مركز للحرس الوطني بالمنطقة ومنازل أعوان من الحرس الوطني كليا وهو ما أدى إلى مجابهتهم من قبل قوات الأمن باستعمال الرش والرصاص الحي لتفريقهم وهو ما أسفر عن سقوط شاب متأثرا بجروحه إضافة إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح متفاوتة من بينهم عوني أمن .
وقد أثارت الحادثة ردود أفعال منددة باستعمال قوات الأمن «المفرط» -وفق تعبيرهم- للرشّ والرصاص الحيّ معتبرين أنه يعدّ انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، في حين أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي أن تدخل قوات الأمن كان على خلفية محاولة اقتحام مقر فرقة الحرس الحدودي بالذهيبة التي تمثل الخطّ الأول في الحدود التونسية الليبية وتعتبر المسؤولة الأولى عن كل الأعمال التي قد تقع خاصة تسرّب العناصر الإرهابية أو تسلل أفراد من ليبيا إلى التراب التونسي أو العكس، مشددا على أن خطورة ما حصل هو الذي اضطر أعوان الحرس الوطني لاستعمال القوة اللازمة لحماية مقر الفرقة وطلب التعزيزات من الجيش الوطني.
أخبار الجمهورية ارتأت الاتصال بعدد من الحقوقيين لمعرفة تقييمهم وقراءتهم لحادثة الذهيبة تتابعونها كالتالي:
عبد الستار بن موسى: ندين العنف مهما كان مأتاه
علّق رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان العميد عبد الستار بن موسى على حادثة الذهيبة قائلا ان الرابطة بقدر ما تساند الاعتصامات والمطالب المشروعة والتحركات السلمية فإنها تندد بشدة كل مظاهر استعمال العنف بشتى أنواعه خاصة منها حرق المراكز الأمنية واستهداف قوات الأمن.
في المقابل أكد بن موسى أن الرابطة تندد كذلك بمجابهة التحركات والاحتجاجات باستعمال السلاح الحيّ والرشّ اللذان يؤديان إلى القتل وينتهكان بذلك حقوق الإنسان، مشيرا إلى انه كان حريّا بقوات الأمن أن تسعى إلى تفريق المظاهرات دون اللجوء إلى استعمال السلاح والعنف الذي أدى إلى مقتل أحد الشبان وسقوط عدد من الجرحى.
كما لخّص عبد الستار بن موسى ختام قوله بالتأكيد أنّ الرابطة التونسية لحقوق الإنسان تندد بكل أشكال العنف مهما كان مأتاها سواء من قبل المواطنين أو من قوات الأمن.
جوهر بن مبارك: نندّد باستعمال الرصاص الحي مهما تعقدت الظروف
من جهته أعرب الناشط الحقوقي والمنسّق العام لشبك دستورنا جوهر بن مبارك عن تنديده الشديد باستعمال قوات الأمن الرصاص الحي لمجابهة الاحتجاجات الاجتماعية، مضيفا أنه لا يجوز رفع السلاح في وجه المواطنين مهما تعقدت الظروف وساءت.
وأشار بن مبارك الى أنه لا مجال لاعتبار إطلاق الرصاص الحي واستعمال الرش أمرا عاديا نتركه يمرّ مرور الكرام بل يعتبر أمرا خطيرا ومنتهكا لحقوق الإنسان المتعارف عليها، وقال انه على الدولة والحكومة التونسية أن تتهيآن لتضاعف المظاهرات والاعتصامات نظرا لحالة الغليان والاحتقان الاجتماعي التي أجمعت عديد الأطراف السياسية على تكاثفها في هذه السنة بعد أن سجلت ارتفاعا ملحوظا سنة 2014 وخاصة في تلك المناطق الحدودية التي تتميز بغياب التنمية واعتمادها على التجارة والتهريب في مجابهة المشاكل المادية والظروف التي تعاني منها .
واعتبر الناشط الحقوقي إن سياسة مكافحة الإرهاب التي اعتمدتها قوات الأمن مؤخرا ساهمت في تضييق الخناق على تلك المناطق الحدودية وكذلك عصابات التهريب الشيء الذي انعكس سلبا على الحركة التجارية والاقتصادية بالمنطقة.
في المقابل أكّد جوهر بن مبارك أن شبكة دستورنا لا تقبل أبدا بتحوّل الاحتجاجات الاجتماعية إلى عنف واعتداءات مسلطة على مقرات سيادية للدولة باعتبارها ملكا للشعب التونسي ومكسبا من مكتسباته، مرجّحا أن تكون هناك عناصر لها شبهات إرهاب تريد إضعاف المنظومة الأمنية في تلك المناطق الحدودية الحساسة لقربها من ليبيا قصد تنفيذ مخططاتها .
عصام الدردوري: فليضع الحقوقيون أنفسهم مكان كل أمني يجد نفسه أمام فرد يحاول الاعتداء عليه
أما رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن النقابي الأمني عصام الدردوري فقد علّق على أحداث الذهيبة مؤكدا أن هناك معطيات ومعلومات دقيقة وثابتة وردت حول اعتزام مجموعة من العناصر الإرهابية الموجودة على التراب الليبي التسلل إلى تونس وإدخال الأسلحة، وهو ما دفع بالوحدات الأمنية إلى الرفع من درجة التأهب ومضاعفة احتياطاته على مستوى الشريط الحدودي بما في ذلك معبر الذهيبة وازن الذي يعد من النقاط «الساخنة» على مستوى خط النار وذلك لوجوده قرب عديد المسالك التي يمكن استغلالها من طرف تلك العناصر وفق تعبيره.
وأضاف الدردوري أن الإجراءات الأمنية الأخيرة المكثفة في المناطق الحدودية ساهمت في تضييق الخناق على نشاط المهربين والذين وصّفهم بـ»بارونات التهريب» بالمنطقة، فتضررت مصالحهم وأعمالهم فجنحوا بذلك إلى إشعال فتيل الاحتجاجات بالمنطقة، مشيرا إلى أنه ورغم عدم تجاوز عدد المحتجين الــ70 عنصرا، فقد تطور نسق احتجاجاتهم سريعا ليصل إلى حدّ اقتحام ثكنة أمنية -رغم تنبيههم بعدم المساس بالمراكز الأمنية- وهو ما دفع بأعوان الأمن للتدخل باستعمال القوة في كنف التدرّج الذي يضمنه كل من القانون والمواثيق والمعاهدات الدولية.
وفي سياق متّصل، أكد النقابي أن تصاعد وتيرة الاحتجاجات في الجنوب التونسي والتركيز على هذه المناطق الحدودية ليس بالبريء لا من حيث التوقيت ولا الكيفية كما أنه يمثل خطرا حقيقيا على أمن كل من تونس والجزائر على حد سواء، بل أكثر من هذا فتأجج الأوضاع في منطقة الجنوب قد يكون بمثابة «الحمم البركانية» التي تنبىء بقرب انفجار جحيم داعش الذي ما انفك على إحراز سيطرة سريعة على عدة مناطق بليبيا.
ومن ناحية أخرى وبخصوص ردود الأفعال المنددة باستعمال قوات الأمن للرصاص الحي والرش لمجابهة المتظاهرين، اعتبر محدّثنا أن الأصوات التي تعالت من قبل الحقوقيين والسياسيين هي ركوب على الأحداث. وأضاف بأنه يشاطرهم الرأي في أن الحل الأمني لا يمكن أن يكون هو الحلّ الأمثل، في المقابل دعاهم إلى وضع أنفسهم مكان كل أمني يجد نفسه أمام فرد يحاول الاعتداء عليه مهما كانت الوسيلة التي كان يستعملها.
إعداد: منارة تليجاني